الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية سامي بن سلامة يحذر من خطورة الإنتخابات المحلية ويصف السبسي بالرئيس الذكي-البطيء

نشر في  22 نوفمبر 2017  (12:20)

دعا العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة الى توخي الحذر من الانتخابات المحلية المزمع عقدها يوم 25 مارس 2018 مناديا بالعودة الى قانون البلديات القديم ومنبها من انعكاسات تنظيم انتخابات محلية تزيد في إضعاف الدولة في ظل مخاطر كبيرة قد تتعرض لها تونس نتيجة تشتيت السلطة وتربص البعض بالدولة. كما نادى محدثنا الى تغيير النظام الانتخابي الحالي معتبرا أنه يشتت السلطة ولا يسمح لأحد بأن يحكم تونس وينهض بها كما أنه يمنع المحاسبة إذ أن الجميع مسؤولون وغير مسؤولين في نفس الوقت فضلا عن تكريسه لـ"جمهورية الرداءة".

عن موضوع الانتخابات البلدية والنظام الإنتخابي وتردي الطبقة السياسية ودور اتحاد الشغل ورئيس الجمهورية في المرحلة الحالية، حدثنا السيد سامي بن سلامة فكان الحوار التالي:

دعوتم مؤخرا الى الغاء الإنتخابات البلدية، فما سبب ذلك؟

لم أطالب بإلغاء الانتخابات البلدية بل نبهت إلى خطورة عقد الانتخابات المحلية في ظل الصعوبات التي تعيشها الهيئة غير الجاهزة لإجرائها تقنيا بسبب المشاكل الجمة التي تعانيها من الناحية الإدارية وكذلك السياسية بسبب فقدانها ثقة الناخبين والفاعلين السياسيين وتضرر مصداقيتها بشدة وهو ما قد يؤدي إلى عدم القبول بنتائج أية انتخابات تجريها قبل اصلاح الوضع.

وقد دعوت بالمقابل إلى تنظيمها إن تطلب الأمر وفق قانون البلديات القديم وهو ما يسمح به القانون الانتخابي الحالي نظرا للصعوبات الكبيرة التي يعانيها مسار الإنتقال إلى الديمقراطية.

إذ حذرت من انعكاسات تنظيم انتخابات محلية تزيد في إضعاف الدولة في ظل مخاطر كبيرة قد تتعرض لها تونس نتيجة مزيد تشتيت السلطة وتربص البعض بالدولة والوطن. فكيف يمكن تصور نجاح السلط المحلية ذات السلطات الواسعة وغير المسبوقة رغم أنها في الواقع لن تكون سوى نتاج لنفس الأحزاب التي فشلت في إدارة تونس منذ سنة 2012 ولم تحقق لا تنمية ولا توازن بل زادت الأمر سوءا؟

فقد فشلت الدولة بكافة إمكانياتها البشرية والمادية رغم مرور أكثر من ستين سنة من الاستقلال، فعلى أي أساس نخاطر ومن يضمن لنا أن من سيسيطرون على الجهات لن يصبحوا أعداء للدولة التونسية؟

-هل يمكن ان ننتظر حوكمة رشيدة في ظل سلطة مركزية لا تولي قيمة لسلطة الجهات؟

إن كنا لم نر بعد حوكمة رشيدة في ظل السلطة المركزية سنوات بعد فرار رأس النظام السابق، فكيف يمكن أن نتوقع وجود مثل تلك الحوكمة في الجهات والمحليات؟ فالأحزاب تدفع عادة بأفضل عناصرها وخبراتها عند تولي الحكم في المركز ولا تترك للأطراف شيئا يذكر.

وهي وقد أثبتت فشلها في الحكم فهل يجب أن نتوقع منها نجاحا في الجهات ؟ أعتقد أن هنالك غياب تام للوعي بالرهانات وآمال كبيرة وغير واقعية يعلقها بعض الحالمين على الانتخابات المحلية وعلى تولي الجهات سلطات واسعة والحقيقة فإنني لا أتوقع أن تكون التجربة إن خيضت ناجحة وأن تفرز لنا نخبة جديدة متميزة وقد لا نحصل سوى على إعادة انتاج نفس الرداءة والفشل مع تعميمهما على كامل التراب الوطني.

- ناديتم بتغيير نظام الاقتراع من نظام القوائم الى نظام الانتخاب على الأفراد، فهل من تفسير لهذا التوجه؟

يجب أن أشير إلى أنه لا وجود لنظام انتخابي مثالي ولكل منها سلبياته ولكننا وقد جربنا النظام الانتخابي الحالي فإننا يمكن أن نعتبر أنه كان من بين أهم أسباب تردي مستوى الطبقة السياسية خاصة وقد ثبت أنه يشتت السلطة ولا يسمح لأحد بأن يحكم تونس وينهض بها كما أنه يمنع المحاسبة إذ أن الجميع مسؤولون وغير مسؤولين في نفس الوقت.

فهو يقوم على الاقتراع على القائمات مع اعتماد النسبية وأكبر البقايا ولا يسمح في جوهره بتصدر الكفاءات المشهد إلا نادرا ويساهم عموما في تصعيد أناس نكرات ومنعدمي الكفاءة في أغلبهم إلى أعلى المراكز مما يجعلهم لا يجيدون شيئا غير التخفي خلف يافطات أحزاب ولا هم لهم سوى إرضاء من اختارهم لعضوية تلك القائمات.

فيتخلون بسهولة عن دورهم التمثيلي للشعب لفائدة قياداتهم الحزبية مما جعل المجالس المنتخبة تقاد في الواقع من خارج مقراتها من قبل تنسيقيات الحزبية يتحكم فيها أناس غير منتخبين ولم يفوضهم الشعب وهو ما يمثل في النهاية تشويها للديمقراطية واختطافا لها مما ساعد على تفشي حكم المافيات وانتشار الفساد والافساد والمحسوبية والفشل.

لذلك أعتبر أنه من بين الحلول الممكنة تغيير نظام الاقتراع إلى الاقتراع على الأفراد الذي قد يلائم وضعنا أكثر إذ يسمح بتقليص حجم الدوائر الانتخابية والترفيع في عددها ويمكن الناخب من انتخاب أشخاص يعرفهم جيدا بحسب كفاءتهم ومقدرتهم وإشعاعهم على دورة واحدة أو دورتين.

فمن شأن ذلك تقوية المشاركة الشعبية في الانتخابات وإعادة اهتمام التونسي بالعمل السياسي وبمستقبل البلاد السياسي كما يمكن الجهات كافة بأن تكون ممثلة ويساهم في تجديد الطبقة السياسية ومن الحد من سطوة الأحزاب وهيمنتها على الحياة السياسية وقد يسمح بإنتاج طبقة سياسية جديدة وتحسين جودتها تستلم مقاليد البلد بعد انتهاء عهد القيادات المزمنة الحالية.

- لكن الطبقة الحاكمة ترفض هذا التغيير، إذ أن نظام الاقتراع الحالي يخدم مصالحها وتفوق مسار الاحزاب على مسار الأفراد..

من الطبيعي أن ترفض. فمن ذا الذي سيُشغّل ذلك الكم الهائل من العناصر ومن ذا الذي سيدفع منحهم وامتيازاتهم ومن سيعطي لتلك الأحزاب مهما صغرت كل تلك السطوة على الحكومة وعلى كافة مؤسسات الدولة؟

إن النظام الانتخابي الحالي بالتفاعل مع نظام سياسي الهجين -طالبت بالمناسبة كذلك مرارا بتغييره- يكرسان "جمهورية الرداءة" إذ يمكنان الأحزاب من مواصلة استنزاف الدولة والمساهمة في تقاسم "الكعكة".

وأرى أن المطالبة بالحكم المحلي وباللامركزية ليست إلا مرحلة جديدة تسمح للأحزاب فيها لنفسها بعد انهاك المركز بإرضاء المزيد من عناصرها الغاضبة في الجهات بالمواقع والمناصب والامتيازات. إن الدولة التونسية تساهم اليوم في إعاشة طبقة سياسية كاملة تشمل طيفا واسعا يمتد من عناصر الأحزاب إلى أصدقائها والمقربين منها.

وقد آن لهذا الوضع أن ينتهي، فاقتصادنا لا يسمح بهذا الكم الهائل من التعيينات والهيئات والمجالس التي لا نفع لها سوى استنزاف الموارد العمومية بدون جدوى. فلا حاجة لنا في الواقع سوى بمحكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات وهيئة للإعلام ومجلس مصغر للقضاء.

-استعملتم مصطلح "نخبة سياسية رديئة وفاسدة" لتوصيف المشهد السياسي القائم، فما مرد ذلك؟

في أغلبها هكذا لكي لا أسقط في فخ التعميم، والحقيقة أن الجميع يشاهد انخفاض مستوى الطبقة السياسية وغياب البرامج والمشاريع لديها علاوة على الفساد الذي لم يعد يخفى على أحد وأصبح من شروط تولي المسؤوليات.

لقد أصبحت الحياة السياسية مجرد مصعد اجتماعي ووسيلة لتحسين الوضعية المعيشية ولم يعد للنضال وللمبادئ والقيم ولخدمة الصالح العام من معنى، فلا برامج ولا مشاريع ولا مخططات ولا تفكير في مستقبل الوطن والشعب بل فقط مناكفات سياسية هدفها الظهور الإعلامي وتحقيق المجد الشخصي والإثراء السريع.

فحتى المعارضة خيبت ظن الجميع ولم تثبت يوما أنها مثلت قوة اقتراح ولا أقلقت التحالف الحاكم وعموما انخفض مستوى النقاش السياسي بعد انسحاب المجتمع المدني من الحلبة إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 وغياب مشاركته السياسية واكتفائه اما بالمشاهدة أو بالانخراط في مشاريع خارجية لا تعبر عن حقيقة تطلعات الشعب التونسي.

-واي دور يمكن أن يلعبه اتحاد الشغل لتعديل المشهد السياسي الحالي؟

الاتحاد لعب أدوارا مهمة طيلة تاريخ تونس الحديث وكان عنصر توازن اجتماعي وسياسي مهم خاصة في فترة الترويكا حيث ساهم في حماية الديمقراطية. لكن يبدو أن الاتحاد تغير وتشقه عديد المتناقضات وأصبحت قواعده لا تشبه قيادته كثيرا، لذلك فإنه قد يضطر إلى الانغماس في المرحلة القادمة إلى معاجة مشاكله الداخلية وتعديل المشهد داخله أكثر فأكثر.

دور الاتحاد في ظل ضعف الدولة سيبقى مهما وأظن أنه لا يمكنه المساهمة في تعديل المشهد السياسي إلا إذا كان واعيا تماما بحقيقة الرهانات التي تواجهها تونس وإلا فلن يختلف دوره عن الدور المنتقد الذي تلعبه الأحزاب حاليا التي لا تتدخل في موضوع ما إلا لضمان مصالحها الخاصة.

-هل من مسؤولية للباجي قائد السبسي في هذا الظرف؟

إن التاريخ لا يذكر إلا الإنجازات العظيمة أو الإخفاقات المدوية، فمسؤوليته جد كبيرة تجاه شعبه وتجاه ذاته وهو شخص ذكي ولكنه رئيس بطيء بالنظر إلى خبرته وجسامة المهام الملقاة على عاتقه.

ورغم أنه أدى دورا لافتا في تحقيق التوازن المفقود إلا أنه سرعان ما أهدر مكاسبه بنفسه والجميع ينتظر منه عند إتمام مهمته أن يكون قد ساهم في إطلاق عمليات إصلاح ما يتوجب إصلاحه وترك دولة قوية وعادلة تخدم شعبها ولا تميز بين مناطقها ومواطنيها لا سلبا ولا إيجابا، تتكافأ فيها الفرص ولا سلطان فيها لغير القانون.

وأظن أن من واجبه قبل نهاية عهدته الرئاسية -وخاصة أن دوره الحقيقي كما نعلم جميعا يتجاوز صلاحياته بكثير- الدفع في اتجاه إجراء القيام بالإصلاحات اللازمة، من الناحية الدستورية التي تشمل نظام الحكم الذي جرب ولم يصحّ وكذلك من الناحية التشريعية التي تشمل كامل الإطار القانوني للانتخابات وخاصة القانون الانتخابي بما فيه نظام الإقتراع، وهي إصلاحات ضرورية لإنقاذ تونس من نظام الرداءة المعمم.

-ناديتم أيضا بالحد من تغول مجلس النواب وتعديل موازين السلطة من خلال العودة الى نظام رئاسي يجعل السلطة التنفيذية مركزة بين يدي الرئيس، لماذا؟

يقبع الحكم فعليا تحت سيطرة تنسيقيات الأحزاب وهي أجهزة غير منتخبة تسلب حتى أعضاء البرلمان صلاحياتهم ولا تمكن من تأسيس حياة ديمقراطية سليمة. ناديت بالمرور إلى النظام الرئاسي ولم أنادي بالعودة إلى نظام رئاسوي كالذي أقره دستور 59 وكنت ضده.

فمن هيمنوا على عملية صياغة الدستور يبررون رفضهم فكرة تغيير نظام الحكم ورغبتهم في الحفاظ على امتيازاتهم بالخشية من العودة له ظاهريا وعلى الأقل خشية ديكتاتورية الفرد الواحد مع أن الحرية التي نعيشها ستمنع أية عودة إلى الخلف.

ولكنهم في الحقيقة يرفضون لأن غايتهم الحفاظ على امتيازاتهم وعلى "ديكتاتورية زعماء الأحزاب الحالية" التي تمكنهم من حكم البلد من خلف ستار وبدون أي تفويض شعبي. يمكن لرئيس الدولة المطالبة بتنقيح الدستور في هذا الاتجاه للتخلي عن هذا النظام الغريب الذي يكون فيه رئيس الحكومة جامعا لأغلب الصلاحيات بدون أي تفويض شعبي ومع ذلك يكون أضعف شخص في المشهد السياسي خاصة أمام قيادات الأحزاب التي تتحكم فيه كما تشاء.

الهدف من هذا الاقتراح هو إعداد تونس للمستقبل لنهاية مرحلة الانتقال الديمقراطي، لزمن ليس ببعيد ستحتاج فيه بلادنا لتركيز نظام رئاسي ناجع وقوي وفق قواعد دستورية واضحة تجمع بموجبها أشلاء السلطة التنفيذية المشتتة لكي نعرف من يحكم فعلا ومن نحاسب.

وهو نظام يمكن من منح صلاحيات واسعة للرئيس ولحكومته تحت مراقبة صارمة من البرلمان ولكن بشرط أن تدخل هذه الإصلاحات حيز التنفيذ بعد خروج السيد قايد السبسي من السلطة لكي نضمن جودة مقترحاته في هذا الإطار.

لا أمل لدينا في التقدم إلا باصلاح الخلل الذي يؤثر على نظامنا السياسي وعلى نجاعة الحكم للالتفات إلى الإصلاحات الحقيقية التي ستكفل دخول بلدنا إلى القرن 21 وخاصة إصلاح الإدارة التي لا زالت تعيش في بداية القرن 20، فقد مل الشعب من التشدق بالحداثة والتطور وهو يعيش في دولة متخلفة ويرزح تحت كم رهيب من الوثائق الإدارية ويسحق كل يوم بفعل إدارة عمومية بائسة متخلفة ومنظومة قضائية فاسدة وظالمة.

شيراز بن مراد